يوميات مدرس فلسطيني
حدثنا معلم اللغة العربية عن اول ايام حياته كمعلم، حيث عُيّن معلما في مدرسة اساسية في قرية نائية.وضع المنبه عند رأسه ، وزيادة في الحرص أوصى امه العجوز بإيقاظه في الصباح الباكر ليذهب نشيطاً لمدرسته الجديدة. أستيقظ الاستاذ مبكراً على غير العادة ولبس أجمل ما عنده ، بالمناسبة استاذنا الفاضل كان يعيش في قرية نائية أيضاً. ركب المعلم دابة والده (الحمار) وتوجه بها من القرية إلى المدينة (الخليل) ، ربط الدابة عند عجوز صاحب لوالده ، وذهب لكي يلحق بالباص الوحيد الذاهب الى رام الله. فإذا فاته إما عليه الرجوع الى البيت بدابته المنهكة ، او المبيت في إحدى مساجد مدينه الخليل حتى طلوع فجر اليوم الثاني. لحسن حظه استقل الباص المهتريء القديم حوالي الساعة السادسة والنصف فجرا. انطلق الباص بصوته الهادر كأمواج البحر ونام معلمنا مطولا في الباص لأن الباص كان يمر بالقرى المنتشرة بين مدينتي الخليل ورام الله. لحسن حظ الاستاذ وصل الباص مركز مدينة رام الله مبكرا، حيث استغرق وصوله ساعتان ونصف فقط.
سأل المعلم احد المارة عن قرية نائية عن مدينة رام الله فاجابه ان ينتظر في ساحة الباصات العامة الباص الوحيد المؤدي الى تلك القرية. ملّ المعلم من الانتظار ، فأنطلق تائهاً في شوارع رام الله مشياً على الاقدام بحثاً عن القرية المنشودة حتى وصل الى طريق تبعد حوالي 20 كم عن القرية ، تعب معلمنا وجلس على صخرة بجانب الطريق ، وما بين الحين والآخر أصبح يلوّح بيديه للسيارات الضئيلة جداً المارة من تلك الطريق ..(بالمناسبة كان الجو حارا وكان استاذنا يلبس بدلة قطنية جعلت من رائحته جيفة ميتة). جاء الفرج قريبا فإذا بسيارة منهكة محملة بالخضار تقف بجانب استاذنا ،اعتقد الاستاذ بأن السيارة تعطلت وإذا بسائقها يفاجئه ويسأله: (( على وين يا ابو الشباب؟)) ..... قال الاستاذ: (( والله انا رايح على قرية______ اذا في طريقك)) ، اجاب السائق:(( اطلع وتوكل على الله بوصلك في طريقي)) صعد المعلم في مؤخرة البك اب لعدم وجود متسع في المقدمة وجلس فوق صناديق البندورة والخيار والبطاطا. وإنطلق السائق بسيارته بما اتاها الله من قوة ، وبدأ من بجوار السائق ينادي بمكبر الصوت: (( بطاطا، بندورة، بطيخ.. عالسكين يا بطيخ...))، باع الخضرجي معظم بضاعته في القرى الموصلة الى القرية التى يريدها الاستاذ ولم يصلها بعد.
في كل لحظة كان معلمنا يسأل السائق: (( مطولين تنصل؟؟)) ، يجيبه السائق قائلاً: (( كمان اكوم كيلو متر)).
بالمناسبة كان المعلم يساعد في البيع والتنزيل. وصل المعلم أخيراً الى القرية الصغيرة النائية الساعة الواحدة ظهراً، سأل اهل القرية عن مكان المدرسة حتى اندل عليها فعندما دخلها وجدها فارغة إلا من حارسها الذي كان يغلق بوابة المدرسة فسأله عن المدير ، فرد الحارس قائلاً : (( المدير زمان نايم في الدار)) فعرّف المعلم نفسه وسأل الحارس: (( ممكن أبات في المدرسة للصبح؟)). أجابه: (( ولو يا ابن الحلال بيتي مفتوحلك، حياك الله ، وين راحت الشهامة العربية؟؟!!)) ، فنام المعلم نوما عميقا بعد يوم كان من المقترح ان يقضيه في التدريس بدل السفر المضنى..... الغريب ان المعلم أخبرنا ان هذا اليوم كان أجمل أيام حياته رغم متاعب السفر ومشاقه.